تشهد العلاقات بين واشنطن وأوروبا توترًا متزايدًا، حيث أصدرت الولايات المتحدة مؤخرًا استراتيجية أمن قومي جديدة أثارت جدلًا واسعًا في القارة العجوز، إذ وصفت الوثيقة أوروبا بأنها مهددة بـ “المحو الحضاري” نتيجة سياساتها الحالية، وأكدت على ضعف الثقة بالنفس لدى الحكومات الأوروبية وتوقعاتها “غير الواقعية” بشأن الحرب في أوكرانيا، مما جعل العواصم الأوروبية في حالة من الارتباك، خاصة في ظل تصاعد الخلافات منذ عودة الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض.

ردود أفعال في بروكسل

في محاولة لاحتواء الوضع، أكدت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، خلال منتدى الدوحة أن الانتقادات الأمريكية كانت “شديدة”، لكنها اعترفت بأن “بعضها صحيح”، مشددة على أن أوروبا لا تزال أكبر حليف للولايات المتحدة، وأن هذه الخلافات لا تعني نهاية الشراكة، وفي الوقت نفسه، يشعر الأوروبيون بأن واشنطن لم تعد تأخذ في الاعتبار حساسية العلاقة الاستراتيجية التي تربط بين الطرفين.

ملفات الخلافات المتصاعدة

تتجاوز الخلافات التصريحات السياسية، لتشمل قضايا معقدة، حيث فرضت واشنطن رسومًا إضافية على الحديد والألومنيوم الأوروبي، متهمة بروكسل بخلق “حواجز تجارية غير عادلة”، وردت المفوضية الأوروبية بتحذيرات من ردود فعل مماثلة، مما أعاد أجواء الحرب التجارية بين الجانبين، كما تطالب الولايات المتحدة حلفاء الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي، مهددة بتقليص وجودها العسكري في أوروبا، وهو ما أثار قلق دول أوروبا الشرقية، بالإضافة إلى تصاعد التوترات في المجال الرقمي بعد تغريم منصة X التابعة لإيلون ماسك، إذ اعتبرت واشنطن هذا القرار “استهدافًا سياسيًا” لشركاتها.

الخلاف بشأن أوكرانيا

تعتبر المسألة الأوكرانية نقطة الانفجار الأكبر، حيث أكدت مصادر أوروبية أن واشنطن اقترحت خطة سلام تتضمن تنازل كييف عن أراضي دونباس، مما قوبل برفض أوروبي، إذ ترى الدول الأوروبية أن هذا التنازل يمثل هزيمة استراتيجية، الفجوة بين الجانبين أصبحت واضحة، فبينما تسعى واشنطن لتقليل الدعم العسكري والتحول نحو الدبلوماسية، تصر أوروبا على استمرار التمويل والتسليح.

نظرة مستقبلية

رغم كل الانتقادات، يؤكد المسؤولون الأوروبيون أن الولايات المتحدة ستظل “الحليف الأهم”، ولكن ما يحدث اليوم يعكس مرحلة جديدة في علاقة عمرها عقود، علاقة لا تزال قائمة، لكنها تواجه اختبارًا حقيقيًا لم تشهده منذ نهاية الحرب الباردة.