نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
القصد جنوب لبنان وليس حزب الله وحده! - صوت العرب, اليوم الجمعة 29 نوفمبر 2024 08:18 مساءً
الجمعة 29/نوفمبر/2024 - 08:11 م 11/29/2024 8:11:46 PM
لم يُطق رئيس الوزراء الإسرائيلي صبرًا على وقف إطلاق النار في لبنان، رغم أنه لم ينقضي على سريانه أكثر من ثمانية وأربعين ساعة.. إذ قال الجيش الإسرائيلي، في بيان مساء أمس الخميس، إن سلاح الجو استخدم ضربات دقيقة، لإطلاق النار على من أسماهم (إرهابيين) ـ والقصد هنا أعضاء من حزب الله ـ في جنوب لبنان، بعد أن حدَّد جنوده اثنين منهم، يصلان إلى قاعدة (إرهابية) معروفة، كانت بمثابة نقطة إطلاق لعشرات الصواريخ تجاه إسرائيل.. ونتيجة لذلك، بقي الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان، ويُقال إنه نفذ أيضًا غارتين في صيدا.. وقد أصدر نتنياهو، في نفس اليوم، تعليماته للجيش بالاستعداد لحرب شاملة مُحتملة في لبنان، محذرًا من التصعيد في حال انتهاك وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرًا.. وفي بيان صحفي، أكد نتنياهو أن (التهديد في الشمال انخفض بشكل كبير)، معتبرًا أن العمليات العسكرية (نجحت في الحد من المخاطر على طول الحدود الشمالية لإسرائيل).. وطمأن المواطنين بأن الحياة الطبيعية ستعود مع استقرار الوضع.
وفي وقت سابق من الخميس، أفاد الجيش اللبناني، عن خروقات متعددة لوقف إطلاق النار من قبل القوات الإسرائيلية، من خلال طلعات جوية واعتداءات على الأراضي اللبنانية، وذكر أنه (وعقب الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، خرق العدو الإسرائيلي الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروقات الجوية واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة.. وتقوم قيادة الجيش اللبناني برصد هذه الخروقات بالتنسيق مع الجهات المعنية).. في نفس الوقت، أشار رئيس الأركان، هيرتسي هاليفي، إلى أن الجيش الإسرائيلي يتجه نحو مرحلة جديدة في الحرب مع لبنان، (نحن نعلم على وجه التحديد، أن حزب الله توَّصل إلى هذا الاتفاق من موقف الضرورة والضعف.. وبنفس القوة التي استخدمناها لتأمين الاتفاق، سننفذه الآن، لا أقل من ذلك.. أي انحراف عن هذا الاتفاق سيتم تنفيذه بالنار.. القيادة الشمالية تعرف هذا.. ولكن أكثر من ذلك، فإن سكان الشمال يراقبون الآن، ويريدون أن يروا أننا ننفذ هذا الأمر بحزم، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم.. هذا هو واجبنا تجاههم، وواجبنا تجاه أنفسنا.. لذلك، سنمضي قدمًا بعزم لا يتزعزع في تنفيذ هذا الأمر).. فهل يصمد وقف إطلاق النار أمام رغبة إسرائيل في القضاء التام على حزب الله، وإعادة تشكيل الدولة اللبنانية؟.. وهل سيتحلى حزب الله بضبط النفس أمام خروقات إسرائيل، بأسباب مُخْتَلَقة؟.
●●●
ستواجه إسرائيل معضلات جديدة في التعامل مع انتهاكات وقف إطلاق النار العلنية وغير الواضحة، حيث قد يُشكل كل صاروخ من لبنان صداعًا سياسيًا محتملًا لها.. فبعد ما يقرب من أربعة عشر شهرًا من القتال، الذي شمل العديد من العمليات القتالية ضد حزب الله في لبنان، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار.. وورغم أن هيئة تحرير (صحيفة وول ستريت جورنال) أعلنت انتصار إسرائيل، فإن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ومستشاريه لم يذهبوا إلى هذا الحد في تصريحاتهم العلنية وإحاطاتهم الخاصة، بل وعدوا بأن إسرائيل ستحقق (النصر الكامل) الذي طالما سعت إليه في المستقبل.. وشدد نتنياهو على أن (الحرب لن تنتهي حتى نحقق جميع أهدافها، بما في ذلك عودة سكان الشمال سالمين إلى ديارهم)، على حد قوله.. لقد وُلِد هذا الموقف، على الأقل جزئيًا، من الاعتراف بأن وقف إطلاق النار وآليات تطبيقه غير المجربة، من شأنه أن يؤدي إلى سيناريوهات مُعقدة بالنسبة لإسرائيل، في محاولتها الحفاظ على أمن مواطنيها، في مواجهة محاولات حزب الله شبه المؤكدة لإعادة تجميع صفوفه وتهديد إسرائيل.
ليس هناك شك في أن إسرائيل أضرت، إلى حد ما بحزب الله.. أدت عملية أجهزة (البيجر) في سبتمبر، والتي أعقبتها تصفية زعيم الحزب، حسن نصر الله، وكبار قادة قوة الرضوان النخبوية، إلى إخراج الجماعة عن توازنها.. كما أدى استمرار تصيُّد قادة وحدات الحزب الميدانية، إلى مزيد من تدهورها، وإدخالها في حالة من الفوضى المؤقتة.. وأدى الغزو البري الذي استمر شهرين، إلى تدمير بعض البنية التحتية والأسلحة التي بناها حزب الله على مر السنين، كجزء من خطة ضرب الأسوار الهشة لإسرائيل في الكيبوتسات الحدودية والقواعد العسكرية.. لقد اختفي الكثير من ترسانة حزب الله من الصواريخ والقذائف.. قبل شهر، قال وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك، يوآف جالانت للضباط، إن 80% من مخزون حزب الله قد دُمر؛ وقد ارتفعت هذه الأرقام منذ ذلك الحين.. وهو زعم لا يقوم عليه دليل أكيد.
ولعل الأهم من ذلك كله، هو أن الحاجز النفسي الذي منع إسرائيل لسنوات، من القيام بأي شيء ضد حزب الله في لبنان، قد تم تفكيكه.. فقبل الحملة الحالية، كان القادة الإسرائيليون يعتقدون أن تصعيد العنف مع حزب الله، يعني إطلاق آلاف الصواريخ على الجبهة الداخلية وشلل المجتمع الإسرائيلي.. والآن، وفقًا لنتنياهو، فإن حزب الله لم (يُعاد عقودا إلى الوراء) فحسب، بل تم إخضاعه إلى الحد الذي لم يعد بمقدور حماس الاعتماد عليه حليفًا للمساعدة.. وأضاف أن وقف إطلاق النار (يفصل الجبهات ويعزل حماس.. فمنذ اليوم الثاني للحرب، كانت حماس تعتمد على حزب الله للقتال إلى جانبها.. ومع خروج حزب الله من الصورة، أصبحت حماس وحيدة.. وسوف نزيد من ضغوطنا عليها، وهذا من شأنه أن يساعدنا في مهمتنا ـ المقدسة ـ المتمثلة في إطلاق سراح رهائننا)!!.
وبعيدًا عن مكاسبها في الحرب، تُصر إسرائيل على الحفاظ على حرية ضرب حزب الله، إذا حاول التحايل ـ من وجهة نظرها ـ على وقف إطلاق النار، كما قال نتنياهو، قبل وقت قصير من مصادقة مجلسه الأمني على وقف إطلاق النار، (إذا انتهك حزب الله الاتفاق وحاول تسليح نفسه، فسنهاجم. وإذا حاول إعادة بناء البنية التحتية للإرهاب بالقرب من الحدود، فسنهاجم. وإذا أطلق صاروخًا، وإذا حفر نفقًا، وإذا أحضر شاحنة تحمل صواريخ، فسنهاجم).. إن ضرب حزب الله عندما ينتهك وقف إطلاق النار يبدو أمرًا مباشرًا، ولكن إذا أعادت إسرائيل سكانها الشماليين إلى ديارهم، فمن المرجح أن تجد نفسها في مواجهة مُعضلات مُعقدة، بشأن أي رد على حزب الله.. إذا تم رصد فرقة صواريخ مضادة للدبابات، تابعة لحزب الله تزحف نحو الحدود، فلن ينزعج أحد من ضربة للجيش الإسرائيلي.. لكن حزب الله يعرف كيف يستخدم أدواته لأغراض عسكرية، ومن المؤكد أن هناك مناطق رمادية سوف تظهر.. إذا قام المزارعون في لبنان بتصوير قوات الجيش الإسرائيلي عبر الحدود على هواتفهم، فهل تهاجم إسرائيل؟.. وإذا توجه ثمانية رجال على دراجات نارية نحو الحدود، فهل تهاجم إسرائيل؟.. هذا ما حدث بالأمس!!.. إذا قام حزب الله بتقليد تكتيك حماس الفعال، وطلب من المدنيين إطلاق البالونات الحارقة تجاه الحقول الإسرائيلية، فهل يأمر نتنياهو بشن هجوم؟.
من المفترض أن تتقدم إسرائيل بأي شكاوى إلى هيئة رقابية جديدة، تقودها الآن الولايات المتحدة وفرنسا.. فهل تسمحان لإسرائيل بالعمل في السيناريوهات المذكورة آنفًا؟.. وما هي العقوبات التي قد تفرضها إسرائيل إذا تجاهلت قرارات اللجنة؟.. الإجابات واضحة.. ومن المؤكد أن حزب الله سوف يكون عازمًا على إظهار أنه لا يزال في القتال، وسوف يسعى إلى إعادة إرساء قدر من الردع ضد إسرائيل، التي أقسم على تدميرها.. قد تتجاهل إسرائيل الرسالة الأمريكية، التي تُبارك حقها في العمل ضد حزب الله، ولكن الجماعة ستفعل كل ما في وسعها لتقييد وتعقيد هذه الحرية في العمل.. إن الجهود الرامية إلى الحد من قدرة إسرائيل على القيام بعمل عسكري، بعد انتهاكات وقف إطلاق النار، قد تأتي في شكل إطلاق صاروخ أو اثنين على منطقة شمال إسرائيل المُعاد توطينها.. وفي المرة الأولى التي يُطلق فيها حزب الله صواريخه، ويُرسل السكان إلى غرفهم الآمنة والملاجئ، من المفترض أن ترد إسرائيل بإطلاق النار على مطلقي الصواريخ، وسوف يعود الهدوء الهش، وستواصل إسرائيل استهداف الخروقات الأخرى الأقل وضوحًا.. ولكن من المرجح أن يُطلق حزب الله المزيد من الصواريخ بعد ذلك، في رد ظاهري، مما يخلق مشاكل عملية وسياسية لنتنياهو.
قبل وقف إطلاق النار، لم يكن إطلاق صاروخ من حزب الله على شمال إسرائيل سببًا في إثارة غضب الحكومة الإسرائيلية.. والآن، بعد أن عاد الهدوء إلى طبيعته، أصبح كل صاروخ يشكل تحديًا مباشرًا لوقف إطلاق النار، ووعد نتنياهو القاطع بالرد على أي انتهاك.. كم عدد صفارات الإنذار التي سينتظرها السكان العائدون حديثًا إلى المجتمعات الشمالية، قبل أن يقرروا أن الحكومة لم تضمن سلامتهم، ويعودون إلى الجنوب مرة أخرى؟.. من المؤكد أن السياسيين المعارضين وأعضاء الائتلاف، مثل وزير الأمن القومي، إيتمار بن جفير سوف يهرعون إلى استوديوهات التلفزيون، مُعلنين أن الحكومة مُتساهلة للغاية، ولا تعرف كيف توفر الأمن للشمال المُحاصر.. وفي ظل هذه الظروف، تُصبح التكلفة السياسية المترتبة على كل إجراء تنفيذي تتخذه القوات الإسرائيلية، عاملًا مؤثرًا في تصميم الحكومة على العمل ضد حزب الله.. وإذا كُرِرَت هذه العملية مرات عديدة، فسوف تظهر قواعد جديدة للعبة، حيث يعمل حزب الله مرة أخرى على ترسيخ قوة الردع.
لا تستطيع إسرائيل منع حزب الله من إعادة التسلح.. فمن الصعب بما فيه الكفاية، وقف تهريب الأسلحة بوجود قوات متمركزة على طول الحدود.. ومن المستحيل القيام بذلك باستخدام الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار، رغم أن إسرائيل قادرة على إبطاء خط الإمداد، وفرض تكلفة على حزب الله ورعاته الإيرانيين.. وتُكلف اتفاقية وقف إطلاق النار القوات المسلحة اللبنانية بمراقبة وإنفاذ (أي دخول غير مصرح به للأسلحة والمواد ذات الصلة إلى داخل لبنان وفي جميع أنحاءه، بما في ذلك من خلال جميع المعابر الحدودية)، لكن من الصعب أن نتخيل أن تقف القوات المسلحة اللبنانية في وجه حزب الله، الأقوى بكثير، أو فيلق الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، أثناء عملهما على إعادة البناء.. وليس من الواضح على الإطلاق، كيف يمكن لنتنياهو أن ينجو من هذا السيناريو.. ذلك أن أي عملية برية محدودة أخرى، سوف تؤدي إلى إطلاق المزيد من الصواريخ على شمال إسرائيل، فضلًا عن الاعتراف بأن وقف إطلاق النار هذا، كان غير مدروس.
إن شن غزو شامل بهدف تدمير القوة العسكرية لحزب الله ليس أمرًا مُرجحًا أيضًا.. فبعد أربعة عشر شهرًا من القتال، أصبح الجيش الإسرائيلي قوة منهكة.. فقد دخل جنود الاحتياط جولتهم الرابعة من الخدمة، كما أن مخزونات الذخائر منخفضة.. وهذا يعني خوض حرب طويلة ومُعقدة في ظل ظروف غير مثالية، على أقل تقدير.. وفي الوقت نفسه، ونظرًا للعملية العسكرية التي نفذتها إسرائيل في لبنان، فإن صدور قرار جديد ومُحسَّن من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، هو أفضل ما يمكن أن تتوقعه إسرائيل.. ولم يقاتل جيش الدفاع الإسرائيلي لتدمير التنظيم العسكري لحزب الله، بل عمل ضد بنيته التحتية في قرى حدودية خالية في أغلبها.. لقد أدت الغارات الجوية في بيروت وأماكن أخرى في لبنان، إلى تدمير مخازن الصواريخ وقتل المزيد من القادة، ولكن الكثير من قوات حزب الله لا يزال سليمًا.. فهو لا يزال يحتفظ بأغلب مقاتليه، ونظام قيادة وسيطرة مُنخفض ولكنه فعال، والكثير من معداته.. لقد أصبح ميزان الردع مائلًا بشكل حاسم لصالح إسرائيل؛ وإلا لما وافق حزب الله على وقف إطلاق النار.. ولكن الحزب لا يزال مقاتلًا قويًا، وهو يعمل بالفعل على تحويل هذا التوازن إلى الوراء.
●●●
يقولون، لكل حكاية بداية، ووراء كل حدث أسباب، ترسم خيوطه وتحدد مُجرياته.. ويُخطئ من يظن، أن خيار الدخول البري الإسرائيلي إلى جنوب لبنان، هو التحدي الأبرز، الذي قد يؤدي إلى إخلاء المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطاني من سلاح حزب الله، وتحديدًا فرقة الرضوان النخبوية، ليصبح النهر هو خط التماس الجديد بدلًا من الخط الأزرق، وتصبح الحرب دائرة في داخل الجغرافيا اللبنانية، لا بين لبنان وإسرائيل.. بالعكس، فهناك من يقول، بأنه (من الناحية التاريخية، فإن جنوب لبنان هو في الواقع جزء من شمال إسرائيل، وجذور الشعب اليهودي في المنطقة عميقة)!!.. إذ يقول مايكل فرويند، الذي شغل منصب نائب مدير الاتصالات في حكومة نتنياهو، بينما تقاتل القوات الإسرائيلية لتطهير جنوب لبنان من إرهابيي حزب الله، فمن الجدير تسليط الضوء على حقيقة تاريخية مثيرة للاهتمام، والتي يبدو أن كثيرين قد نسوها.. وبما أننا نشأنا في ظل وجود حدود دولية بين الدولة اليهودية وجيراننا إلى الشمال، فإننا نعتبر أن هذا هو الوضع الذي كان عليه الأمر دائمًا، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه.. لكن الحقيقة هي أن الحدود الحالية بين إسرائيل ولبنان لا يزيد عمرها على قرن من الزمان، وهي حدود مصطنعة بالكامل، من بقايا زمن كان فيه المستعمرون الأوروبيون يرسمون خطوطًا على الخرائط، على زجاجة براندي في غرف مليئة بالدخان.. وقد تناسى فرويند، أن عمر الكيان الإسرائيلي، لا يتجاوز الستة وسبعين عامًا فقط.. فأين كانت إسرائيل قبل القرن الذي يقول به هذا الكاتب؟.
بل إنه مُصرٌ على أنه من الناحية التاريخية، فإن جنوب لبنان هو في الواقع شمال إسرائيل، وجذور الشعب اليهودي في المنطقة عميقة.. وسواء كان من الممكن أو ينبغي أن تُترجم هذه الحقيقة الآن إلى واقع سياسي، فهذه مسألة أكثر تعقيدًا، ولكن لا يمكن إنكار ارتباطنا بالأرض.. ويدعي أنه، في العصور التوراتية، كان جنوب لبنان جزءًا واضحًا من أرض إسرائيل.. في سفر التكوين (10:19) يقول، (وكانت حدود كنعان تمتد من صيدا نحو جرار إلى غزة، ثم نحو سدوم وعمورة وأدمة وتسيبويم إلى لاشع).. تقع صيدا، وهي مدينة في لبنان، في منتصف الطريق تقريبًا بين الحدود الإسرائيلية الحالية وبيروت.. وقبل وفاته بقليل، بارك بطريركنا التوراتي يعقوب أبناءه الإثني عشر، وكانت البركة التي أعطاها لزبولون، هي (ويسكن زبولون عند شاطئ البحر ويكون ميناء سفن، ويكون تخومه إلى صيدا).. ويذكر سفر يشوع (13: 6) صيدا صراحةً باعتبارها المدينة الموعودة للشعب اليهودي، ويقول أيضًا، أن حدود سبط آشير كانت تمتد إلى صيدا.
ومن المثير للاهتمام ـ يقول فرويند ـ أن المدراش في سفر تكوين ربة (39: 8)، يقول إنه في صور، وهي مدينة تقع الآن على بعد 12 ميلًا شمال الحدود الإسرائيلية، وعد الله إبراهيم بأرض إسرائيل.. ويقتبس المدراش عن الحاخام لاوي قوله، (عندما كان إبراهيم يسافر عبر آرام النهرين وآرام ناحور، رآهم يأكلون ويشربون ويمرحون.. قال: ليت نصيبي لا يكون في هذه الأرض.. وعندما وصل إلى رأس صور، رآهم مشغولين بإزالة الأعشاب الضارة في وقت إزالة الأعشاب الضارة، والحرث في وقت الحراثة.. قال: ليت نصيبي يكون في هذه الأرض.. قال له القدوس المبارك: لنسلك أعطي هذه الأرض).. ويمكن العثور على أدلة أخرى على الارتباط اليهودي بالمنطقة، في مختلف الأماكن المقدسة ومقابر الصالحين في جنوب لبنان!!، وأشهرها قبر زبولون في صيدا، الذي ظل لعدة قرون مكانًا للحج لليهود من مختلف أنحاء المنطقة وخارجها.. وفي القرن السادس عشر، زار الحاخام الإيطالي، موشيه باسولا، القبر وكتب عنه، وفي منتصف القرن الثامن عشر، قال الحاخام يوسف سوفير، إن العائلات كانت تجتمع وتقيم وجبات احتفالية بجواره.. ووصف الحاخام ناتان من بريسلوف، تجربة روحية ملهمة في قبر زبولون؛ وعندما زار السير موسى مونتيفيوري إسرائيل في القرن التاسع عشر، سافر أيضًا لرؤيته.
روايات لم يقم عليها دليل من التراث، أو أحداث في التاريخ، بل إنها لا تتجاوز المزاعم والأكاذيب الإسرائيلية، التي دأبت عليها حكومات الكيان الصهيوني، الذي ثبت أنه كثيرًا ما سيّر رجال يُغيرون معالم الأماكن في جنوب لبنان، لدعم أكاذيبهم التاريخية.. ولعلنا نذكر ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، مساء الأربعاء، العشرين من نوفمبر الحالي، عن مقتل الباحث الجيولوجي الشهير، زئيف الرايخ ـ 71 عامًا ـ في معارك جنوبي لبنان، بعد انضمامه إلى نشاط عملياتي لقوة من لواء جولاني، دخلت خلالها إلى قلعة أثرية مُطلة على مدينة صور في إحدى قرى جنوب لبنان.. وقد أظهر مقطع فيديو متداول، الباحث الجيولوجي زئيف الرايخ، وهو يرتدي زيًا عسكريًا ومسلحًا، ويقدم بعض النصائح لوحدة جولاني.
نعود إلى فرويند، الذي يزعم أن قبر شخصية توراتية أخرى، وهو أهولياف بن أخيساماخ، الذي ساعد بتسلئيل في بناء المسكن في البرية، يقع في قرية سجود في جنوب لبنان.. وبحسب زعم عالم الآثار الإسرائيلي، تسفي إيلان، فإن قبر أهولياف، كان موقعًا مهمًا للحج اليهودي خلال الفترة العثمانية.. كما كان العرب المحليون يقدسون الموقع، ويقولون إنه قبر (نبي يهودي).. وحتى أوائل القرن العشرين، اعتاد اليهود في صفد السفر إلى القبر لأداء عادة (أوب شيرين)، وهي أول قصة شعر للصبي، وهو أمر شائع في الوقت الحاضر في ميرون.. ومن الأماكن المقدسة اليهودية الأخرى في جنوب لبنان، قبر النبي التوراتي، صفنيا، الذي يقع في قرية جبل صافي اللبنانية.. ويتكهن البعض بأن اسم القرية مشتق من اسم النبي الذي دُفن هناك.. ولعل من غير المستغرب، أن يقع أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم، في حارة اليهود في صيدا.. وقد بُني هذا المعبد قبل نحو 1200 عام، ويُعتقد أنه بُني على موقع بيت عبادة يهودي أقدم، يعود تاريخه إلى فترة ما بعد تدمير الهيكل الثاني.. ورغم أنه لم يعد قيد الاستخدام، بسبب هجرة معظم اليهود اللبنانيين خلال الحرب الأهلية في البلاد بين عامي 1975 و1990، فإنه يقف كشهادة صامتة على الوجود اليهودي الطويل الأمد في المنطقة!!. إنتهي.
وهنا، يخلط الكاتب الإسرائيلي، بين اليهودية كديانة سماوية، كان أصحابها متواجدون في الكثير من البلدان العربية، ويمثلون جزءًا من النسيج الاجتماعي لهذه الدول، دون أن يعني ذلك، أن أي دولة من هؤلاء كانت يهودية، وبين إسرائيل ككيان صهيوني، اتخذ من اليهودية، رغم كونها ديانة، وجعل منها قومية، تبريرًا لاحتلاله أرض فلسطين، وطمعه في المزيد من الأراضي العربية.. ولكي يزيدنا الكاتب من الشعر بيتًا، قال بأنه في وقت سابق من هذا العام، تأسست منظمة إسرائيلية تدعى (أوري تسافون)، أو (استيقظ يا شمال)، بهدف تشجيع الاستيطان اليهودي في جنوب لبنان، ودعت الحكومة إلى التحرك.. ورغم أن البعض قد ينظر إلى هذه الفكرة باعتبارها فكرة بعيدة المنال ـ يضيف فرويند ـ فمن الجدير أن نتذكر، أنه قبل قرن من الزمان فقط، كانت فكرة الدولة اليهودية ذات السيادة بعيدة المنال أيضًا.. في نهاية المطاف، تميل أحلام اليوم إلى التنبؤ بواقع الغد، وخصوصًا في الشرق الأوسط!!.
حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.
أخبار متعلقة :