(الحرية).. صوت أنجيلا ميركل العاقل - صوت العرب

الدستور 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
(الحرية).. صوت أنجيلا ميركل العاقل - صوت العرب, اليوم الاثنين 25 نوفمبر 2024 01:24 مساءً

الإثنين 25/نوفمبر/2024 - 01:19 م 11/25/2024 1:19:22 PM

لمدة ستة عشر عامًا، كانت أنجيلا ميركل، مستشارة لألمانيا وفي طليعة السياسة الأوروبية والدولية.. في مذكراتها، (الحرية) FREEDOM، أو LIBERTATE بالألمانية، التي تصدر غدًا الثلاثاء 26 نوفمبر الحالي، تستعيد حياتها في دولتين ألمانيتين ـ ألمانيا الشرقية حتى عام 1990، ثم ألمانيا الموحدة بعد ذلك.. كيف ارتقت، قادمة من الشرق، إلى قمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، لتصبح أول امرأة تتولى منصب المستشارة؟.. وكيف أصبحت بعد ذلك، واحدة من أقوى رؤساء الحكومات في العالم الغربي؟.. وما الذي وجهها؟.. تروي أنجيلا ميركل الحياة اليومية في مكتب المستشارية الألمانية، وكذلك الأيام والليالي الدرامية، عندما اتخذت قرارات بعيدة المدى في برلين وبروكسل وخارجها.. تتتبع خطوط التغيير الطويلة في التعاون الدولي، وتكشف عن الضغوط التي يواجهها الساسة، عند البحث عن حلول للمشاكل المعقدة في عالم مُعوّْلم.. هنا، تأخذنا وراء كواليس السياسة الدولية، موضحة أهمية المحادثات الشخصية، والأهم من ذلك، حدودها.. وفي تأملاتها للسياسة في زمن المواجهة والانقسام المتزايد، تقدم مذكرات أنجيلا ميركل، رؤية فريدة من نوعها في العمل الداخلي للسلطة، وهي نداء حازم وفي الوقت المناسب من أجل الحرية.
تتحدث بشكل أكثر حميمية من أي وقت مضى، عن طفولتها وشبابها، ودراستها في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، وعام 1989 الدرامي، عندما سقط جدار برلين وبدأت حياتها السياسية.. كما تشارك ذكريات ورؤى من اجتماعاتها ومحادثاتها مع أقوى الشخصيات في العالم.. ومن خلال مناقشة نقاط التحول الوطنية والأوروبية والدولية المهمة، توضح كيف تم اتخاذ القرارات التي شكَّلت عصرنا.. وفي العموم، يقدم كتابها نظرة ثاقبة فريدة من نوعها للعمل الداخلي للسلطة، وهو نداء مقنع من أجل الحرية.
تصف المستشارة الألمانية السابقة، أنجيلا ميركل، تعاملاتها مع زعماء العالم، مثل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتن ودونالد ترامب، خلال فترة حكمها التي استمرت ستة عشر عامًا، في مذكراتها الجديدة التي تأتي في وقت، يتعرض فيه إرثها لانتقادات في ضوء أزمات اليوم.. وفي مقتطفات نُشرت قبل صدور الكتاب غدًا ـ ومن المقرر أن تُطلقه في الولايات المتحدة بعد أسبوع، في فعالية بواشنطن مع الرئيس السابق، باراك أوباما، الذي أقامت معه علاقة سياسية وثيقة ـ تُبرر ميركل قرارها برفض عرض عضوية حلف شمال الأطلسي المستقبلية على أوكرانيا، في قمة التحالف الدفاعي عام 2008 في بوخارست، وهو ما يقول منتقدوها، إنه ربما يكون قد ردع روسيا عن غزو أوكرانيا.. وحتى البيان الصادر في القمة، بأن أوكرانيا وجورجيا ستنضمان في نهاية المطاف إلى حلف شمال الأطلسي، كان بمثابة (صرخة معركة) لبوتن، حسبما كتبت ميركل، التي تولت منصبها لأربع فترات.. وكتبت في المقتطفات، التي نشرتها الصحيفة الألمانية الأسبوعية DIE ZEIT، أن بوتين قال لها لاحقًا، (لن تكوني مستشارًا إلى الأبد. وبعد ذلك سيصبحون أعضاء في الناتو.. وأريد منع ذلك).
ويُعد خليفة أوباما، دونالد ترامب، الذي فاز في وقت سابق من هذا الشهر بولاية أخرى في منصبه، أحد الرجال الذين استهدفتهم أول زعيمة لألمانيا في الكتاب.. وقد طلبت ميركل النصيحة من بابا الفاتيكان، بشأن التعامل مع ترامب، عندما انتُخِبَ لأول مرة رئيسًا للولايات المتحدة، على أمل إيجاد طرق لإقناع الرجل ـ الذي رأت أنه يتمتع بعقلية الفائز أو الخاسر كمُطور عقاري ـ بعدم الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، كما كتبت، (لقد كان يرى كل شيء من منظور المُطور العقاري، الذي كان عليه قبل دخوله عالم السياسة.. كان كل قطعة أرض لا يمكن بيعها إلا مرة واحدة، وإذا لم يحصل عليها، كان شخص آخر يحصل عليها.. هكذا كان يرى العالم).. وكتبت ميركل، أنها (عندما سألت البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، بشكل عام عن النصيحة بشأن التعامل مع الأشخاص ذوي وجهات النظر المختلفة اختلافًا جذريًا)، فهم البابا على الفور، أنها كانت تشير إلى ترامب، ورغبته في الانسحاب من اتفاقيات المناخ)، وقال لميركل، بحسب روايتها، (انحني، انحني، انحني، ولكن تأكدي من عدم كسره).
خلال رئاسة ترامب، أدت استحضارات ميركل المتكررة، لقيم مثل الحرية وحقوق الإنسان، إلى أن أطلق عليها البعض لقب (الزعيمة الحقيقية للعالم الحر)، وهو اللقب الذي كان مُخصصًا تقليديًا لرؤساء الولايات المتحدة.. وقال تورستن أوبلاند، أستاذ العلوم السياسية بجامعة جينا، (كانت شخصًا يتمتع بالنزاهة وعدم الغرور، وهو أمر غير معتاد بالنسبة لسياسي).. ويعبر الكتاب، الذي تم تأليفه قبل إعادة انتخاب ترامب لرئاسة الولايات المتحدة ثانية، عن (الأمل الصادق) في أن تتمكن نائبة الرئيس، كامالا هاريس، من هزيمة منافسها ترامب.
خلال فترة ولايتها الأربع المتتالية، قادت ميركل ألمانيا وأوروبا عبر الأزمة المالية العالمية، وأزمة الديون في منطقة اليورو، وجائحة Covid-19، ولكنها واجهت منذ ذلك الحين، انتقادات بسبب السماح لألمانيا، بأن تصبح أكثر اعتمادًا على الغاز الروسي الرخيص والتجارة الصينية، حتى بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم بالقوة، وتحذيرات الصناعة من الاعتماد المفرط على الصين.. ويُلقي المنتقدون أيضًا باللوم، في صعود اليمين المتطرف وارتفاع تكاليف الطاقة جزئيًا، على قراراتها بفتح حدود ألمانيا أمام اللاجئين، والتخلص التدريجي من الطاقة النووية.. إنها كانت تفتقر إلى الرؤية، إذ فشلت في تنفيذ الإصلاحات الضرورية لضمان القوة المستقبلية لأكبر اقتصاد في أوروبا، والذي يعاني الآن من أزمة في نموذجه الاقتصادي، كما يقولون.. إلا أن مارسيل ديرسوس، من معهد السياسة الأمنية بجامعة كيل، يؤكد أنه، (خلال فترة ولايتها، كانت ميركل تُعتبر على نطاق واسع، سياسية فعالة للغاية وشخصية موثوقة.. منذ أن تركت السلطة، أصبح العديد من الألمان ينظرون إلى إرثها بقدر أعظم من الانتقاد.. إما لأن سياساتها يُنظَر إليها باعتبارها فاشلة، أو لأن تقاعسها يُنظَر إليه باعتباره حلًا للعديد من المشاكل القائمة في ألمانيا).
ومع ذلك، فإن العديد من مواقف ميركل، مثل موقفها من روسيا، كانت مواقف ألمانية مُتفق عليها عبر الطيف السياسي.. وكان المستشار الحالي، أولاف شولتز، وزير ماليتها خلال السنوات الأربع الأخيرة من حكمها.. لكن في السنوات الأخيرة، نأى حزبها المحافظ بنفسه عن زعيمته السابقة، التي لم تُعرب هي نفسها عن ندم يُذكر بشأن تصرفاتها، وظلت بعيدة عن الأضواء إلى حد كبير، منذ تركها منصبها.
●●●
بعد وقت قصير من تنصيب دونالد ترامب رئيسًا في ولايته الأولى للولايات المتحدة، عام 2017، زارت أنجيلا ميركل، التي كانت آنذاك مستشارة ألمانيا، واشنطن.. وبينما كان العالم يشاهد، جلس الزعيمان أمام مدفأة غير مضاءة، في انتظار مُحرِج وصامت للمصورين للقيام بعملهم.. بعد سماع المصورين يطالبون بـ (المصافحة، المصافحة)، وهو إلحاح تجاهله ترامب، حاولت السيدة ميركل نفسها، كما تروي في مذكراتها، أن تنبهه إلى (إنهم يريدون المصافحة)، قالتها بنبرة صامتة مسموعة للصحفيين على بعد أقدام فقط.. (بمجرد أن قلت ذلك، هززت رأسي رافضة صوت عقلي بأن الرجل يريد إحراجي.. كيف يمكنني أن أنسى أن ترامب يعرف بالضبط التأثير الذي يريد تحقيقه؟).. كانت ميركل واضحة بشأن آرائها حول ترامب، الذي كان يريد أن يكون محبوبًا.. لقد (تحدثنا على مستويين مختلفين.. ترامب على المستوى العاطفي، وأنا على المستوى الواقعي).. وقال إنه لا يشاطرها اقتناعها بأن التعاون يمكن أن يفيد الجميع، (كان يعتقد أن جميع البلدان كانت في منافسة مع بعضها البعض، حيث كان نجاح أحدهما هو فشل الآخر.. لم يكن يعتقد أن ازدهار الجميع يمكن زيادته من خلال التعاون).. ثم أمطرها بأسئلة حول نشأتها في ظل نظام دكتاتوري.
وتقول ميركل إن ترامب كان مهتمًا (بخلفيتي الألمانية الشرقية وعلاقتي مع بوتن.. وكان من الواضح أنه مفتون بالرئيس الروسي)، مضيفة، (في السنوات التي تلت ذلك، كان لدي انطباع بأنه كان مفتونًا بالسياسيين ذوي الميول الاستبدادية والديكتاتورية).. وتؤكد أن ترامب أمضى بقية اجتماعهما الأول في انتقادها.. زعم ترامب أن ألمانيا دُمِرَت بسبب استقبال هذا العدد الكبير من اللاجئين في عامي 2015 و2016، واتهمنا بإنفاق القليل جدًا على ميزانية الدفاع، وانتقدنا بسبب ممارساتنا التجارية غير العادلة.. وتشير إلى أن ترامب رأى كل شيء من خلال عيون قُطب العقارات، ولم يبدو أنه يفهم الاقتصاد العالمي المتشابك، ويشتكي من السيارات الألمانية في شوارع مدينة نيويورك.. وعندما كان ينتبه إلى حججي، كان ذلك في الغالب بهدف تحويلها إلى اتهامات جديدة.. ولم يكن حل القضايا التي أثيرت هو هدفه على ما يبدو).
وترفض ميركل بوتين، وتصفه بأنه (شخص كان دائمًا على أهبة الاستعداد حتى لا يُعامل معاملة سيئة، ومستعد دائمًا للعنف، بما في ذلك ألعاب القوة، مع جعل الآخرين ينتظرون)، في إشارة إلى خوفها من الذي تلاعب بها بشكل مكشوف، في أحد الاجتماعات عام 2007، من خلال جلب كلب لابرادور أسود كبير، إلى الغرفة خلال محادثات عُقدت في سوتشي، روسيا، وهو الذي يعرف خوفها من رُهاب الكلاب، ولكنها تماسكت وتحلت بالثبات الانفعالي، والكلب يحوم حولها ويتشمم أرجلها.. تكتب، (يمكنك أن تجد كل هذا الطفولي والمستهجن، يمكنك أن تهز رأسك في استهجانه.. لكن هذا لم يجعل روسيا تختفي من الخريطة).. وتقول إن روسيا (بترسانتها النووية موجودة، ولا تزال عاملًا جيوسياسيًا لا غنى عنه).. كان بوتين دائمًا مستعدًا للتعامل مع الأمور بعنف.. وإنه كان يصل متأخرًا بانتظام، بغرض جعل الناس ينتظرون، لكن هذا لم يجعل روسيا أقل أهمية على الساحة العالمية.. وتستمر في وصفه بأنه منشغل بالولايات المتحدة بشكل خاص، وكأنه يتوق إلى أيام الحرب الباردة.
وهي تكرس بعض الوقت لاجتماع قمة حلف شمال الأطلسي عام 2008 في بوخارست برومانيا، حيث قال الرئيس جورج دبليو بوش، خلافًا لنصيحة مجتمع الاستخبارات الخاص به، إنه يريد توسيع مسار عضوية حلف شمال الأطلسي ـ يسمى خطة عمل العضوية ـ ليشمل جورجيا وأوكرانيا.. عارضت ميركل وزملاؤها الأوروبيون الآخرون.. كان جوهر ترددها، هو أن القيام بذلك، من شأنه أن يدفع بوتين بعيدًا جدًا، وأنه سيرُد بقوة لمنع مثل هذه الخطوة.. في النهاية، أسفرت التسوية في وقت متأخر من الليل عن وعد غامض، أن تصبح الدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، ولكن دون أي مسار أو توقيت واضح.. ورد بوتين بتنظيم حرب في جورجيا بعد أربعة أشهر، ومحاولة إغلاق الباب أمام عضوية أوكرانيا في الناتو منذ ذلك الحين.
كتبت ميركل، أنها لم تر أي طريقة لحماية أوكرانيا أو جورجيا من العدوان الروسي، في الفترة بين خطة عمل العضوية والعضوية الفعلية، والتي استغرقت خمس سنوات مع مرشحين سابقين من أوروبا الوسطى.. خلال ذلك الوقت، لن يستفيدوا من الضمانات الأمنية لمعاهدة الناتو، (سيكون وهمًا أن نفترض أن وضع خطة العمل لأوكرانيا وجورجيا، كان سيحميهما من عدوان بوتين، وأن هذا الوضع كان من الممكن أن يكون رادعًا، لدرجة أن بوتين كان سيقبل هذه التطورات بشكل سلبي).. ثم تتساءل، هل كان الناتو سيتدخل بالقوات؟.. وهل كان بإمكانها أن تطلب من البرلمان الألماني، الذي يجب أن يوافق على جميع عمليات الانتشار العسكري في الخارج، التوقيع على المشاركة العسكرية الألمانية في مثل هذه الحملة عام 2008؟.. إذا كان الأمر كذلك، فما هي العواقب؟).. وتقول إنها كانت سعيدة، لأن الناتو تجنب معركة علنية كبيرة.. لكن في الوقت نفسه، أصبح من الواضح أننا في الناتو ليس لدينا استراتيجية مشتركة للتعامل مع روسيا)، وهو ما يجادل الكثيرون بأنه لا يزال صحيحًا حتى يومنا هذا.. لقد واجهت ميركل انتقادات من الأوكرانيين، بسبب عدم تدخلها في شئون بلادهم. ولكنها كتبت، أن السماح لأوكرانيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كان بمثابة إشارة واضحة إلى بوتن بشأن موقف الغرب.. إنها ستكون (لعبا بالنار) إذا تجاهلت معارضة روسيا لانضمام كييف إلى التحالف العسكري.
قالت ميركل إن منح الجمهوريتين السوفييتية السابقتين وضع العضوية، كان بمثابة وعد بعضوية حلف شمال الأطلسي، وهو أمر لا يمكن التراجع عنه.. وأن السبب الرئيسي وراء منع عضوية أوكرانيا، هو حقيقة أن أسطول البحر الأسود الروسي لا يزال متمركزًا في شبه جزيرة القرم، شبه الجزيرة التي كانت تحت سيطرة كييف حتى ضمها إلى موسكو عام 2014، (لقد كان من غير المسبوق أن يتورط مرشح لعضوية حلف شمال الأطلسي، في مثل هذا النوع من الهياكل العسكرية الروسية.. وعلاوة على ذلك، لم يؤيد سوى أقلية من السكان الأوكرانيين عضوية حلف شمال الأطلسي في ذلك الوقت: فقد كانت البلاد منقسمة إلى حد كبير).. وفي حالة جورجيا، تشير مذكراتها إلى (النزاعات الإقليمية غير المحسومة في منطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا، والتي كانت سببًا كافيًا، لرفض محاولة عضوية البلاد).
إن مناقشة وضع خطة عمل العضوية لأوكرانيا وجورجيا دون تحليل الوضع من وجهة نظر بوتن، الذي أوضح أنه يريد استعادة مكانة روسيا كقوة عظمى، سيكون بمثابة (لعب بالنار)، وترى ميركل أن الاعتقاد بأن وضع أوكرانيا وجورجيا على مسار الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، وانتهت قمة بوخارست بتسوية.. فلم يتم منح أوكرانيا وجورجيا وضع عضو في حلف شمال الأطلسي، لكن التحالف وافق على أن (هذه الدول ستصبح أعضاء في حلف شمال الأطلسي)، وهنا تقول ميركل، إنها سعيدة لأن التحالف لم ينقسم (كما حدث بسبب حرب العراق.. لم يكن هناك خيار سوى التسوية، حتى ولو كانت هذه التسوية، مثلها كمثل أي تسوية أخرى، تأتي بثمن باهظ).. بالنسبة لجورجيا وأوكرانيا، فإن حرمانهما من وضع عضوية الناتو (أحبط آمالهما)، أما بالنسبة لبوتن، فقد كتبت أن حقيقة أن حلف شمال الأطلسي قدم تعهدًا عامًا بعضوية الدولتين، لا تزال بمثابة (إعلان حرب).
يُعد كتاب (الحرية: مذكرات 1954ـ2021) FREEDOM، أو LIBERTATE بالألمانية، الذي طال انتظاره في ألمانيا، بالقصة الداخلية للمرأة الصامتة، التي اعتبرها الكثيرون مدافعة عن نظام ليبرالي عالمي.. عندما صُدم العالم بتصويت بريطانيا لمغادرة الاتحاد الأوروبي، والانتخابات الأولى لترامب، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم، كانت ميركل تنضح بنوع من الهدوء الصبور والعقلاني، الذي كان ينظر إليه على نطاق واسع، على أنه معقل نظام عالمي قديم يمكن التنبؤ به.. ومنذ أن استقالت عام 2021، تغيرت الأمور بشكل جذري.. غزت روسيا أوكرانيا، مما دفع ألمانيا إلى فطم نفسها عن الغاز الروسي الرخيص.. استيعاب الاقتصاد الألماني كل من نقص الطاقة الرخيصة وانخفاض سوق التصدير الصيني، في ظل الركود.. الجسور والطرق والسكك الحديدية في البلاد، التي تم إهمالها منذ فترة طويلة، تنهار.. وأدت سياسة الهجرة الترحيبية التي تنتهجها ميركل إلى زيادة في اليمين المتطرف.. كل ذلك أدى إلى تعاسة واسعة النطاق، وإعادة التفكير في إرث السيدة ميركل.
ومن المتوقع أن يكون كتاب ميركل، الذي يُنشر أيضًا بترجمة إنجليزية، أكثر من مجرد وجهة نظر رائعة من منظور الشخص الأول من مقر قوة أوروبية عظمى.. إنه أيضًا مُبرر للقرارات التي اتخذتها، والتي ساعدت في قيادة ألمانيا وبقية أوروبا إلى مكان محفوف بالمخاطر.. في المقتطفات، تكتب ميركل عن شبابها في ألمانيا الشرقية الشيوعية، والسياسة الأمريكية ـ أرادت فوز كل من هيلاري كلينتون وكامالا هاريس ـ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والأحداث التي تُنذر بغزو روسيا لأوكرانيا عام 2022.
●●●
وُلِدَت أنجيلا ميركل في هامبورج، في ما كان يُعرف آنذاك بألمانيا الغربية عام 1954، وأخذ عمل والدها العائلة إلى براندنبورج في ألمانيا الشرقية السابقة عندما كانت طفلة.. في كتابها.. تصف طفولتها في ظل الدكتاتورية في ألمانيا الشرقية، بأنها (حياة على حافة الهاوية باستمرار.. فمهما كانت بداية اليوم خالية من الهموم، فإن كل شيء قد يتغير في غضون ثوانٍ)، إذا ما خرج أحد من حولها عن الخط.. وتضيف،(لم تكن الدولة تعرف الرحمة)، إن إدراك الخطوط التي لا يمكن تجاوزها كان مهارة مهمة، حتى بالنسبة للطفل.. (لقد ساعدني نهجي البراجماتي) في هذا الصدد.. تكتب المستشارة السابقة، أنه على الرغم من محاولات جمهورية ألمانيا الديمقراطية السيطرة الكاملة على مواطنيها، إلا أنها حافظت على موقفها المستهتر، وكانت في النهاية تحتقر (التفاهة، وضيق الأفق، والانعدام للذوق، وغياب روح الدعابة) للنظام الألماني الشرقي.
في الانتخابات الفيدرالية الألمانية عام 2005، تم اختيار ميركل لتمثيل كتلة الاتحاد الديمقراطي المسيحي، الاتحاد الاجتماعي المسيحي من يمين الوسط، على حساب، آخرين، مثل زعيم الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحالي، فريدريش ميرز.. تقول إنها وجدت (فرقًا بين النظرية والتطبيق، في قبول ترشيح امرأة لرئاسة الحكومة.. كانت هناك شكوك حول هذا الأمر، حتى في أعماق صفوف النساء) في حزبها.. ثم تشرح ميركل التحدي، المتمثل في مواجهة المستشار آنذاك، جيرهارد شرودر وسمعته كشخص (نشيط وذكي.. أي رجل يتحدى المستشار.. كان ليشعر بنفس الشعور.. ولكن كوني امرأة، شعرت أن هذا لا يشكل ميزة على الإطلاق).. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق