نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
المستقل على أعتاب الدهشة - صوت العرب, اليوم الأحد 17 نوفمبر 2024 08:18 مساءً
الأحد 17/نوفمبر/2024 - 08:08 م 11/17/2024 8:08:52 PM
منذ بداية «حركة المسرح المستقل» فى ١٩٩٠، تاريخ أول دورة لمهرجان المسرح الحر، وتاريخ ظهور البيان الأول الذى دشن حركة المسرح المستقل بوصفها صيغة إنتاجية ترفض كل الصيغ الجاهزة، وتتحدى كل القوالب الإنتاجية والفنية، وتوشى ببُعد سياسى لا يقبل الوصاية ولا الرقابة- كانت عروض المسرح المستقل على تنوعها تقدم حساسيات جديدة، ووعدًا متجددًا بالوقوف على أعتاب الدهشة.
فى هذا الوقت كانت المطالبات بدعم الدولة للمسرح المستقل تتزايد، فيرفع «حازم شحاتة» شعاره الشهير «فرق حرة + دعم»، وتساند الدكتورة «نهاد صليحة» الحركة، وتذود عنها وعن الفرق، وتطالب بحقوقها فى تمثيل مصر فى المهرجانات الدولية والمحلية، وتدعم الدكتورة «هدى وصفى» جيل التسعينيات من الفرق المستقلة ومن الجماعات الأدبية والفنية المستقلة، عبر فتح أبواب الهناجر لإبداعاتهم، وتوفير خبراء المسرح فى العالم لتدريبهم.
وكانت العروض تقدم بمركز الهناجر للفنون، وقد كُتب على الأفيش: مركز الهناجر للفنون يقدم فرقة «الحركة/ المسحراتى/ المختبر/ القافلة»، فكانت إدارة الهناجر واعية بأن دعم فرقة مستقلة مع الحفاظ على هويتها واسمها هو دور ثقافى مهم، بينما الآن لا يحق للمخرج وضع اسم فرقته، حتى وإن كان العرض المسرحى يمثل الهوية الفكرية والفنية للفرقة وينفذ بأفرادها.
وعلى مدى السنوات، وعبر لقاءات المسرح المستقل، بدأت الكيانات المسرحية فى تطوير إمكاناتها الفنية وعناصرها المسرحية المختلفة، وبات ينتمى إلى هذه الكيانات ممثلون ومخرجون ومصممو إضاة وديكور محترفون، بمعنى أنهم اتخذوا من هذه العناصر مهنًا لهم درسوها وعملوا بها لسنوات، وقد سافرت عدة عروض لهذه الكيانات ممثلة مصر فى مهرجانات ولقاءات دولية، ما وضع هؤلاء الفنانين المستقلين وكياناتهم المسرحية على خريطة المسرح العربى بقوة.
كانت، وعبر تلك الفترات الممتدة، تتجدد وعود الدعم، حيث وعد وزير الثقافة الأسبق، فاروق حسنى، بدعم ١٠ فرق، لكن صندوق التنمية الثقافية تحجج بعدم مشروعية وضع الفرق المستقلة، ما حدا بالعديد من الفرق إلى تكوين جمعيات ومؤسسات أهلية، إلا أن تلك المشروعية لم تغير شيئًا فى الأمر، خاصة حين تبدَّى للمسئولين بُعد آخر للمسرح المستقل لم يكن فى الحسبان عقب حريق مسرح بنى سويف سبتمبر ٢٠٠٥، الذى راح ضحيته ٦٠ شهيدًا من خيرة أبناء المسرح المصرى وكبار نقاده، حيث كان الحراك الأقوى لأعضاء فرق المسرح المستقل وفنانى الثقافة الجماهيرية، فبادروا بتأسيس جماعة ٥ سبتمبر، وأنشأوا لجنة لتقصى الحقائق، ونظموا فعاليات احتجاجية، وكانت تلك النقطة «نقطة تحول تاريخية» فى علاقة الدولة بالمسرح المستقل، بل وبالمسرح عمومًا.
حتى جاءت الفرصة، وبفضل الجهد المتصل، وفى سياق وعى الدولة بمسئوليتها تجاه دعم الفنانين وتمكينهم، خاصة الشباب- صدر القرار الوزارى رقم ١٠٨ لسنة ٢٠١٥ بإنشاء وحدة دعم المسرح المستقل، كوحدة تختص بوضع الخطط والسياسات العامة المتعلقة برعاية الدولة للنشاط المسرحى المستقل «فرقًا/أفرادًا»، ووضع ضوابط ومعايير وآليات صرف الدعم السنوى «مالى- لوجستى- بناء قدرات»، المزمع تخصيصه لأنشطة الفرق المسرحية المستقلة ومتابعته.
وعمل مجلس أمناء الوحدة، عقب صدور القرار، على وضع لائحة تنظم عملها وتحدد آليات وضوابط الدعم، وأرسلت للسيد وزير الثقافة للاعتماد.
إن الفرق المستقلة تعانى انعدام الفرص، وندرة الدعم الملائم، وتخلى وزارة الثقافة عن دورها الأصيل فى اكتشاف ودعم الموهوبين من فرق شباب المسرح، وترك تلك الفرق لتتأرجح ما بين الرجاء والأمل، يجعلها تتساقط وتتناقص، كما تعانى ندرة دور العرض المستقلة، وتستهلك فى تعقيد الإجراءات الحكومية والموافقات التى تحتاجها حال تقديم عرض مع الرقابة والمصنفات الفنية، أو فى حالة السفر مع العلاقات الثقافية الخارجية.
إن الفن هو السلاح الأكثر فاعلية فى مجابهة الجهل والتطرف، وعلينا أن ندرك أن لأى دولة ذراعين: ذراع الحكومة وذراع المجتمع المدنى، وأنها لن تتمكن من رفع الوعى بذراع واحدة، وعلينا أن ندرك أن فنون الشارع ومسرح الفضاءات غير التقليدية- وهو اللون المسرحى السابع الذى تبنته تلك الفرق- هى الأكثر شعبية واجتذابًا والأكثر مرونة لتقديمه فى النجوع والقرى والأماكن غير المجهزة مسرحيًا، وهى الأولى بالدعم لمواجهة ظواهر التطرف والإرهاب ورفع الوعى بقضايا التنوير وتمكين المرأة.
وفى النهاية، ونحن نتأمل النشأة والمصير، علينا أن نتساءل: كيف صار المسرح المستقل إلى هذا الوضع؟.. المسرح الذى كان يلمع كنجمة ويشع ضوءًا كشمس.. فما الذى حدث؟ كيف ومتى انقسمت حركة المسرح المستقل؟ كيف ومتى انفصلت الدوائر؟ كيف ومتى صارت فرق المسرح المستقل تعمل فى جزر معزولة عن الحركة المسرحية؟، ولماذا تخلت الدولة عن دورها فى دعم المسرح المستقل، محتفظة بتمثيل ضعيف له فى بعض المهرجانات المحلية؟.. سؤال معلق ننتظر إجابته.
0 تعليق