في مشهد مهيب يعكس دور مصر المتنامي في القضايا العالمية، افتتحت القاهرة فعاليات المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر، الذي تمتد وقائعه من اليوم وحتى الثامن من نوڤمبر الجاري، وتمت وقائع الافتتاح بحضور دولي لافت تقدّمه الرئيس عبد الفتاح السيسي ومديرة برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، السيدة/ إيميلي كارلوس روسباخ ولفيف من زعماء وقادة العالم.

وهذا الحدث، والذي يُعقد للمرة الأولى في أفريقيا منذ أن أُقيم المنتدى لأول مرة قبل ٢٠ عامًا، يسلط الضوء على أهمية التحضر المستدام والتحديات التي تواجه المجتمعات الساعية إلى مستقبل أكثر استدامة ومرونة، وقد كانت آخر مرة عُقد فيها هذا المنتدى في قارة إفريقيا، في عام ٢٠٠٤ في العاصمة الكينية نيروبي.

وفي خطوة أخرى مضيئة تجسّد التزام مصر بتعزيز التعاون الدولي، استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي كلًا من الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس الانتقالي السوداني، والدكتور رشاد محمد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، ما يعكس حرص مصر على دعم استقرار المنطقة ومدّ جسور التعاون مع الدول الشقيقة لمواجهة التحديات المشتركة.

وكان من الواضح أن فخامة الرئيس السيسي أراد استخدام هذه المنصة العالمية لتأكيد مساعي مصر المتواصلة في مجال التنمية الحضرية المتقدمة؛ إذ تطرق الرئيس خلال كلمته، إلى آمال مصر الطموحة في تطوير المدن الذكية، مثل العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، موضحًا أن هذه المشروعات ليست مجرد تطلعات تكنولوجية وحسب؛ وإنما هي جزء من استراتيجية متكاملة لتحقيق التنمية المستدامة، وتقليل الأثر البيئي، وتقديم خدمات أفضل لأبناء الوطن؛ إذ أن المدن الذكية في رؤية الرئيس، ليست رفاهية، بل ضرورة تتطلبها الزيادة السكانية المتسارعة، وهي ركيزة لضمان جودة الحياة واستقرار المجتمع على المدى الطويل.

ولم يكن التحول نحو المدن الذكية المحور الوحيد في حديث الرئيس السيسي؛ بل ركز أيضًا على الإسكان الاجتماعي بوصفه عاملًا جوهريًا لتحقيق العدالة وحفظ السلم الاجتماعي، كما أكد الرئيس أن مشروع "سكن لكل المصريين" يعكس رؤية مصرية شاملة لتمكين كافة الفئات من العيش في بيئة صحية وآمنة، وهذه المبادرة الوطنية التي توفر وحدات سكنية لذوي الدخل المحدود تعد خطوة مهمة نحو سد الفجوة الإسكانية، وتعزيز مفهوم المساواة في فرص العيش الكريم.

وركّز فخامة الرئيس على أهمية تحديث منظومة النقل، مشيرًا إلى مشروع القطار الكهربائي السريع، والذي يُعدّ نقلة نوعية في وسائل النقل الحديثة ويعزز الاستدامة البيئية. هذه المشروعات تأتي ضمن جهد أوسع لتقليل التلوث والازدحام في المدن الكبرى، ودعم الأهداف البيئية، وخلق نظام حضري يسهل التنقل ويخدم الجميع بفعالية قصوى.

ولم تغب القضايا الدولية عن حديث الرئيس السيسي بحال؛ إذ أكد سيادته على أن مواجهة التحديات الحضرية ليست مسؤولية محلية فحسب؛ بل هي مسؤولية مشتركة تتطلب تعاونًا دوليًا حقيقيًا، خاصة في دعم التحضر المستدام في الدول النامية، ودعا إلى ضرورة توفير التمويل والمساعدة التقنية؛ لضمان أن تتمكن جميع الدول من مواجهة تحديات التحضر السريع والتغير المناخي، وتحقيق مدنٍ أكثر استدامة وقدرةً على الصمود أمام التغيرات البيئية والاقتصادية.

وعقب أن منح الرئيس السيسي الإذن، بدأت الفعاليات بحضور عدد كبير من القادة والمسؤولين الدوليين، مما يبرز أهمية المنتدى الحضري العالمي الثاني عشر ومكانة مصر في تعزيز الحوار حول التنمية الحضرية.

ومما تجدر الإشارة إليه أن منتدى القاهرة الحضري العالمي، بحضور هذا الجمع من القادة والخبراء، لا يمثل حدثًا تقليديًا بل هو رمز لرؤية جديدة تسعى لبناء مدن قادرة على تحمل تحديات المستقبل، مدن تضع الإنسان في مقدمة اهتماماتها، وتفتح آفاقًا واسعة للتعاون الدولي في سبيل مستقبل حضري أفضل لينطلق هذا كله من مصر أرض التاريخ وأرض الحضارة وأرض السلام.