عشوائيات ولكن ليست عشوائيات!! - صوت العرب

مكه 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
عشوائيات ولكن ليست عشوائيات!! - صوت العرب, اليوم السبت 23 نوفمبر 2024 10:03 مساءً

نخفق أحيانا في فهمنا للمناطق العشوائية، حيث يتم تصنيفها كمناطق مُهملة لا تتوافق مع التشريعات العمرانية الحديثة. يبادر العديد من المختصين بمعالجة المناطق العشوائية من خلال إزالتها ثم بناء مناطق استيطان جديدة أو تعويض ساكنيها بقيمة أنقاض البناء ليبحثوا عن سكن جديد، وليضيفوا عبئا بعد ذلك على سوق الإسكان الرسمي؛ بل ويساهموا في رفع أسعار العقارات والإيجارات في المدينة.

تأتي المناطق العشوائية كردة فعل نتيجة ضعف السياسات الإسكانية وبرامج الدعم التي تتوافق مع حدود القدرة الاقتصادية لمحدودي الدخل، وهو ما يحفز من إنشاء سوق إسكاني رديف أو غير رسمي. وغالبا ما تفشل مشاريع إعادة التوطين للمستوطنات العشوائية لأنها لا تأخذ في عين الاعتبار الفرص الاقتصادية وظروف المعيشة للسكان. بكل سذاجة تعمل هذه الحلول على تدمير النسيج الاجتماعي والاقتصادي للسكان دون تقديم بديل مناسب لهم ليقوموا لاحقا بتأسيس مناطق عشوائية جديدة خارج حدود المدن وتستمر دورة حياة العشوائيات.

التساؤل المشروع يتمحور حول ماهية المناطق العشوائية ولماذا نطلق عليها عشوائيات؟

في الواقع، إن سكان المناطق العشوائية خططوا للإقامة والاستيطان في المكان وحاولوا التفكير والتحليل لوضع هذه الخطط موضع التنفيذ والبناء خارج الإطار التشريعي وبما يتوافق مع احتياجاتهم وإمكاناتهم المادية. أما نمط توزيع الوحدات السكنية فهو غير منتظم ولكن عدم الانتظام لا يعني العشوائية، فهناك العديد من الأحياء السكنية الحديثة حول العالم لا تخضع لنسق منتظم في توزيع الأراضي أو الوحدات السكنية ويتم وصفها بالأحياء المستدامة.

الأهم من ذلك كله هو أن سكان المناطق العشوائية يشاركون في إدارة الحي السكني ويعملون في مهن تحقق لهم مردودا اقتصاديا. ولكن العشوائيات تفتقر لأمن الحيازة، حيث بنيت هذه المناطق دون الحصول على تراخيص رسمية كما أنها غير صحية ومليئة بالملوثات.

زرت سابقا حي دهارافي في مومباي والذي يعد أشهر حي عشوائي في العالم، وهو مستوطنة شديدة التنوع الديني والعرقي ويقدر عدد سكانها بحوالي مليون نسمة. يوجد في حي دهارافي حوالي 15 ألف مصنع مكون من غرفة واحدة. يعتمد السكان على اقتصاد غير رسمي، حيث يتم استخدام الطابق الأرضي للشركات الصغيرة والمتاجر خلال النهار. وفي الليل يستخدم بعض العمال الطوابق العليا من المتاجر للنوم مع أفراد الأسرة. كما يستخدم بعض السكان المطبخ كمنطقة استحمام، وتحتوي معظم الغرف على موقد غاز للطهي. ولا يوجد لدى معظم السكان بنية تحتية للصرف الصحي أو مياه نظيفة، حيث يتعين عليهم شراء المياه من بائعي المياه المتجولين. يعيش سكان الحي على اقتصاد غير رسمي نابض بالحياة، حيث يعمل العديد منهم في صناعات الجلود والمنسوجات والفخار. ويقدر إجمالي حجم الناتج السنوي للحي بأكثر من مليار دولار أمريكي من إعادة تدوير النفايات والتي يقدر حجمها بما يعادل حوالي 80% من نفايات مومباي الجافة.

وهناك العديد من الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها السكان، بما في ذلك مبيعات المواد الغذائية والصناعات الخفيفة والمنتجات المنزلية. يتم جمع وفرز النفايات الصلبة مثل بطاريات السيارات وأجزاء الكمبيوتر والمصابيح والأكياس البلاستيكية والورق وصناديق الكرتون والأسلاك. وعلاوة على ذلك، يوجد في داهارافي مصانع وورش عمل لإعادة تدوير علب المشروبات المستعملة والصابون.

لقد ساهم هذا الحي العشوائي في توظيف أكثر من 250 ألف شخص، وأسس نظاما اقتصاديا واجتماعيا، ولكن بلا إطار تشريعي. وفي المقابل لم تساهم بعض الأحياء الرسمية حتى في توظيف شخص واحد. باختصار، إنها عشوائيات ولكن ليست عشوائيات!!

أخبار ذات صلة

0 تعليق