في دراسة حديثة نشرت، تم تسليط الضوء على الحاجة الماسة للاتحاد الأوروبي لتدبير ميزانية دفاعية ضخمة تقدر بأكثر من 250 مليار دولار سنويا، وتهدف هذه الميزانية إلى تأمين القدرة على الدفاع عن بشكل مستقل، دون الحاجة للدعم العسكري الأمريكي.
وتستعرض الدراسة التي أعدها معهد بروغيل للأبحاث ومعهد كيل للاقتصاد العالمي، التحليل الشامل للاحتياجات الدفاعية الأوروبية وكيفية تلبية هذه الاحتياجات وفقا للقدرات الاقتصادية المتاحة للاتحاد.
وفي هذا الصدد، قال الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، إن يسعى الرئيس الأمريكي إلى إعادة صياغة العلاقات بين وأوروبا بناءا على معادلة جديدة تركز على المنفعة والتكلفة والمكسب والخسارة، وأكد أن هذه التوجهات لا تقتصر على قضايا مثل الرسوم الجمركية أو السياسات الحمائية التي يتم التركيز عليها في الخطاب الإعلامي والسياسي، بل تمتد لتشمل قضايا أعمق ترتبط بالدفاع والأمن الأوروبي.
وأضاف فهمي- خلال تصريحات لـ صدى البلد”، أن تتمثل النقطة الرئيسية في استراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية في ضرورة أن يتحمل الأوروبيون جزءًا من تكاليف الدفاع عنهم، وهو الأمر الذي يشكل الأساس الذي ينطلق منه الرئيس الأمريكي في رؤيته لتصحيح مسار العلاقات مع الاتحاد الأوروبي. في المقابل، يعبر الاتحاد الأوروبي عن مخاوفه المتزايدة من هذه التوجهات، مما يعكس حالة من عدم الثقة بين الطرفين.
وأشار فهمي، إلى أنه في ظل هذه الأوضاع، بدأ الأوروبيون في البحث عن ترتيبات أمنية مستقلة بعيدا عن المظلة الأمريكية، مما قد يؤدي إلى تغييرات جوهرية في سياسات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وتشير الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تخصيص نحو 250 مليار يورو (حوالي 261.6 مليار دولار) سنويا للاستثمارات الدفاعية، مما يعادل هذا المبلغ 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد، وهو ما يراه الخبراء مبلغا يمكن تحمله بالنظر إلى قوة الاقتصاد الأوروبي.
و من خلال هذا الإنفاق، سيتمكن الاتحاد الأوروبي من تجهيز قوات دفاعية قادرة على حشد نحو 300.000 جندي للدفاع عن أراضيه ضد التهديدات العسكرية، خاصة في ضوء التصعيد العسكري الروسي.
على الرغم من الإمكانيات المالية المتاحة، تشير الدراسة إلى أن هناك تحديات كبيرة أمام التنسيق الدفاعي بين الجيوش الوطنية الأوروبية، فقد دعا التقرير إلى تعزيز التنسيق بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وزيادة المشتريات الدفاعية المشتركة لتحسين كفاءة الإنفاق وضمان الجاهزية العسكرية.
وهذا التنسيق سيكون أساسيا لتحقيق الأهداف الدفاعية الأوروبية بعيدا عن الدعم الأمريكي.
وتعرضت معظم الدول الأوروبية لضغوط متزايدة من السابق، دونالد ترامب، لزيادة الإنفاق الدفاعي وتعزيز قدراتها العسكرية، وفي سياق هذه الضغوط، حذر وزير الدفاع الأمريكي الأسبوع الماضي أوروبا من “استغلال” الولايات المتحدة، مؤكدا أن على أوروبا تحمل مسؤولية أمنها بشكل أكبر.
كما أبدى المرشح الأوفر حظا لمنصب المستشار الألماني، فريدريش ميرتس، شكوكه حول استمرار الوجود الأمريكي في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، في وقت حدد فيه مستشار الأمن القومي الأمريكي، مايك والتز، شهر يونيو المقبل كموعد نهائي لجميع أعضاء الناتو للوفاء بهدف الإنفاق الدفاعي البالغ 2% من الناتج المحلي الإجمالي.
أوصت الدراسة بزيادة الإنفاق الدفاعي الأوروبي إلى 4% من الناتج المحلي الإجمالي سنويا، بدلا من النسبة الحالية البالغة 2%، ولفتت الدراسة إلى أن نصف هذا التمويل يمكن تغطيته من خلال إصدار ديون أوروبية مشتركة لتمويل المشتريات الدفاعية المشتركة، فيما تتحمل الدول الأعضاء النفقات الوطنية الأخرى.
كما أشارت الدراسة إلى أن روسيا قد زادت بشكل ملحوظ من قدراتها العسكرية منذ بداية الحرب في أوكرانيا، حيث حشدت نحو 700.000 جندي في الأراضي الأوكرانية وزادت بشكل كبير من إنتاج الدبابات والمركبات المدرعة.
وفي هذا السياق، تشير الدراسة إلى أن تجهيز 50 لواء عسكريا إضافيا يتطلب من أوروبا الحصول على 1.400 دبابة قتالية رئيسية و2.000 مركبة قتال مشاة، وهو ما يفوق المخزون الحالي لجميع القوات البرية في كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبريطانيا.
والجدير بالذكر، أن تشير الدراسة إلى أن الاتحاد الأوروبي بحاجة ماسة إلى زيادة استثماراته الدفاعية بشكل كبير لتأمين استقلاله العسكري والحد من اعتماده على الولايات المتحدة في هذا المجال. تتطلب هذه الخطوة تنسيقا أقوى بين الدول الأوروبية وزيادة الإنفاق على الدفاع، بما يعكس قدرة الاتحاد على مواجهة التهديدات الأمنية المتزايدة على حدوده.
وفي ظل التصعيد الروسي والضغوط الأمريكية، سيكون من الضروري أن يتم تنفيذ هذه التوصيات لتحقيق الأمن والاستقرار الأوروبي على المدى الطويل.
المصدر : صدي البلد