الأقسام: منوعات

د. عصام محمد عبد القادر يكتب: الإلهام التعليمي وخصائص المتعلمين

احتياجات المتعلم تأتي في المقام الأول، وهنا نبحث عن صور هذه الاحتياجات، ونحاول أن نرتبها؛ كي نتمكن من أن يكون المتعلم جاهزًا لتلقي خبرات التعلم في تنوعاتها المختلفة، وأرى أن الاحتياج النفسي يأتي في قمة الأولويات؛ حيث إدراك المتعلم بجدوى وأهمية اكتسابه للخبرة المنشودة؛ فإذا ما وعي ذلك يبذل أقصى ما في طاقته من أجل تحقيق الغاية المنشودة التي علمها وتحمل المسئولية حيالها.

وتلبية العوز الاجتماعي ينبغي الاهتمام به؛ كي يستشعر المتعلم ضرورة الشراكة في تحقيق الأهداف، ويتفهم أن تبادل الخبرات فيما بينهم من الأمور التي تسهم في تقوية العلاقات الاجتماعية، بل وتقوي الروابط وتحدث ما نسميه بالاندماج الاجتماعي داخل البيئة التعليمية؛ فنتجاوز حدود الخلاف أو الاختلاف، ونصنع أرضية مشتركة للتمازج والتعاون والتقبل، وهذا من شأنه يحمي ويقوي العلاقات داخل الإطار المؤسسة التعليمية.

وفي ضوء ما أوردنا يمكننا خلق البيئة الحاضنة للإلهام، فيها يتمكن المتعلم من أن يتقدم بما لديه من أطروحات تتوافق مع فحوى الخبرة المتعلمة، بل ويضيف إليها؛ ومن ثم تتواتر الأفكار حتى نصل لماهية الفكرة الملهمة التي يتقبلها الجميع دون استثناء، وقد يصل الإلهام هنا لحد الانبهار، بما يزيد من شغف التعلم، ويزيل كافة المعوقات والصعوبات والتحديات التي تقف أمام الفكرة الملهمة.

الإِلْهَامُ في حد ذاته يجبر المعلم على أن ينوع من الأنشطة التي من شأنها لا تصقل خبرات التعلم فقط، بل تخلق البيئة الداعمة للعطاء الفكري في صورته المستدامة؛ فقد باتت البيئة التعليمية مليئة بالروتين والرتابة التي من شأنها أن تحبط المتعلم وتحمل عليه مزيدًا من الأعباء والمهام التي تعد حاجزًا عن حفز التفكر والتفكير.

استثمار خصائص المتعلمين من الأمور الداعمة لشيوع استثارة الفكر الملهمة، وهذا يتوقف على مقدرتنا في توظيف خصائص البيئة التعليمية؛ لتصبح من العوامل المساعدة على خلْقِ الإِلْهَام لدى كلٍّ من المعلم، والمتعلم على حدّ سواءٍ، وهذا ليس من قبيل المبالغة؛ لكنه استنتاج قائم على معطيات معلومة نستخلصها من الرغبة في الوصول للغاية وما بعدها.

الأفكار الملهمة في صيغتها التعليمية تزودنا دون شك بالرضا لدى من يقوم بإنتاجها، ومن يساهم في إخراجها، ومن يتشارك أطراف أو أجزاء من الفكرة، ونتوقع في مقام الإلهام أن نرصد تواتر للخواطر، بل وتوافق في بعض الأحيان على مكنونها لدى كثير من المتعلمين، وهذا في حد ذاته أمر إيجابي يشجعنا على استكمال مسار الإلهام ولا نصادره سواء بصورة مقصودة أو غير مقصودة.

ومراعاة خصائص المتعلم فيما يخص مجالات التعلم المعرفية والمهارية والوجدانية ومدى ميوله نحو مجال بعينه لا يقلل من تدفق الأفكار الملهمة في بيئاتنا التعليمية قاطبة؛ ومن ثم نستطيع أن نستثير الفكرة الملهمة من قلب مهام التعلم التي ندشنها في طيات أنشطتنا التعليمية؛ لنصل إلى مبتغانا الذي يكمن في طرح أكبر قدر من تلك الأفكار التي تفتح الطريق نحو ابتكارات لا تنتهي في كافة المجالات التعليمية.

خصائص المتعلمين نراعيها من خلال تحملنا على تصويب المسار التعليمي؛ حيث إن تصويب أنماط الفهم الخطأ، وفتح المجال للمحاولة غير المحدودة، وتقديم أطر ومتنوعات من التغذية المرتدة تعطينا الأمل وتعزز الطموح تجاه الفكر الملهم، ومن يؤكد على ضرورة التنظيم والنسيق للبيئة التعليمية كبوابة داعمة للإلهام عبر مناخ مناسب للمتعلمين.

إن فلسفة الإِلْهَامِ التربويّ تقوم على مقدرة المعلم في أن يصنع المناخ الداعم والمحفز الذي يجعل المتعلم مهيأ لأن يفكر بعد المرور بمرحلة الفهم العميق للقضية محل الاهتمام؛ ومن ثم يستطيع أن يواصل مراحل التفكير الملهم في مكونه ومكنونه؛ ولنعي أن هذا أمر ليس بالصعب؛ لكن يلزمه عمل مستمر من طرفا العملية التعليمية.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر : صدي البلد