في القمة السنوية الثانية للاستثمار في الرعاية الصحية التي أقيمت في القاهرة، تحدثت الدكتورة نرمين طاحون، مستشار وزير المالية السابق، عن الوضع الراهن لقطاع الرعاية الصحية والصناعات الدوائية في مصر، مشيرة إلى أن هذا القطاع يواجه تحديات اقتصادية وقانونية كبيرة تحتاج إلى فهم عميق، خاصة بعد التغيرات التي شهدها السوق خلال العامين الماضيين.

وأوضحت أن انخفاض قيمة الجنيه لم يقترن بزيادة الاستثمارات الأجنبية في الشركات الدوائية كما كان متوقعًا، حيث جاء هذا الانخفاض مع ارتفاع المخاطر في السوق بسبب تقلبات سعر الصرف وارتفاع تكاليف الإنتاج، التي تعتمد بشكل كبير على المواد الخام المستوردة بالدولار.

أضافت أن المستثمرين الأجانب أصبحوا أكثر حذرًا في دخول السوق المصري، لأن انخفاض العملة لم يعد يعتبر ميزة تنافسية، خصوصًا مع عدم القدرة على التنبؤ بالتكاليف المستقبلية، كما أن نظام التسعير الجبري للأدوية يعد من أبرز العقبات التي تعرقل التوسع في هذا القطاع، حيث لا يسمح بتعديل الأسعار بما يتماشى مع التكاليف الحقيقية أو تغييرات السوق، مما يجعل تقييم الشركات صعبًا ويحد من الرغبة في الاستحواذ عليها.

كما أشارت الدكتورة نرمين إلى أن التغيرات الأخيرة في السياسة النقدية، مثل انخفاض أسعار الفائدة، أعادت النشاط إلى قطاع التمويل غير المصرفي، خصوصًا أدوات التوريق والتخصيم، التي أصبحت خيارات فعالة لتمويل التوسعات في قطاع الرعاية الصحية.

سوق التوريق في مصر شهد نموًا ملحوظًا في عامي 2023 و2024، حيث تجاوزت إصدارات التوريق 96 مليار جنيه في عام واحد، مما ساعد الشركات على تحويل التدفقات المالية المستقبلية إلى سيولة فورية في ظل ارتفاع تكاليف الاقتراض البنكي.

وأكدت أن انخفاض الفائدة يعزز قدرة الشركات على استخدام أدوات مثل التخصيم، التي توفر تمويلًا سريعًا دون الحاجة لضمانات كبيرة، مما يدعم شركات الأدوية التي تواجه تحديات في رأس المال العامل وعمليات الاستيراد والتصنيع.

وفيما يتعلق بالتحديات القانونية، أوضحت أن هناك العديد من العقبات الهيكلية التي تحتاج إلى معالجة، مثل بطء إجراءات التسجيل الدوائي التي قد تستغرق من 18 إلى 36 شهرًا، بالإضافة إلى غياب سياسات صناعية طويلة المدى لتوطين المواد الخام الدوائية، مما يؤدي إلى تردد المستثمرين الأجانب في ضخ رؤوس أموال جديدة.

وأضافت أن عمليات تقييم صفقات الاستحواذ أصبحت أكثر تعقيدًا بسبب تذبذب التكاليف الإنتاجية، كما أن شروط التمويل البنكي تمثل عائقًا أمام العديد من الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة، التي لا تملك ضمانات كافية للحصول على التمويل اللازم للتوسع.

وأشارت إلى أن الإجراءات القانونية والتنظيمية يمكن أن تكون المحرك الأساسي لتحفيز الاستثمار في القطاع، إذا تم تطويرها بما يتناسب مع احتياجات الصناعة، داعية إلى نظام تسعير أكثر مرونة يراعي التكلفة الفعلية وسعر الصرف، بالإضافة إلى تسريع إجراءات التسجيل واعتماد نظام النافذة الواحدة، وتحفيز الشركات التي تستثمر في تصنيع المواد الخام محليًا.

وأكدت أن العام 2026 قد يشهد تحسنًا ملحوظًا في شهية الاستثمار إذا استمرت الإصلاحات الأخيرة وتوفرت بيئة تنظيمية أكثر استقرارًا، مشددة على أن صناعة الدواء في مصر قادرة على تحقيق نمو كبير إذا تم دعمها بسياسات واضحة وتمويل عادل وشراكات حقيقية بين القطاعين العام والخاص.