تعيش أوروبا الغربية في الوقت الحالي مرحلة تحول سياسية ودبلوماسية كبيرة، حيث أصبحت تُعتبر واحدة من أخطر مصادر الاضطراب في العالم، ورغم أن النظام الدولي تم تصميمه بعد الحرب العالمية الثانية لمنع هذه المنطقة من إشعال صراعات جديدة، إلا أنها اليوم تبدو الأكثر استعداداً لتصعيد الأزمات، مما ينذر بآثار قد تمتد إلى ما هو أبعد من حدود القارة.
الأزمة الداخلية والانغلاق السياسي
الأزمة الأولى هي أزمة داخلية تتعلق بالأنظمة السياسية والاجتماعية في أوروبا الغربية، فمنذ منتصف القرن العشرين، نجحت حكومات هذه الدول في تحقيق استقرار داخلي ملحوظ، ولكن مع مرور الوقت، أدى ذلك إلى حالة من الجمود السياسي والاجتماعي، حيث لم تعد هناك ثورات أو موجات تغيير، والنخب السياسية أصبحت راسخة بشكل يمنع أي تجديد، مما جعل المجتمعات أقل تأثيراً في تحديد مستقبلها، وهذا الانسداد الداخلي دفع أوروبا لتصدير توترها للخارج، حيث تسعى النخبة التي لا تستطيع التجديد داخلياً لخلق أدوار ومواجهات خارجية لتظهر قوتها.
القلق من فقدان المركز الدولي
أما الأزمة الثانية فهي أزمة خارجية تتعلق بالمكانة الدولية التي كانت تتمتع بها أوروبا الغربية لعقود طويلة، حيث كانت الدول الأوروبية تمثل ثقلاً اقتصادياً وسياسياً يجعل صوتها مسموعاً ومهاباً، لكن اليوم، تغير المشهد العالمي بشكل جذري مع صعود قوى مثل الصين والهند واستعادة روسيا لمكانتها، مما جعل أوروبا تواجه واقعاً جديداً لم تعتده، حيث لم تعد محور النظام العالمي.
الصراع مع روسيا والصين
نتيجة لهذه التحولات، لجأت أوروبا الغربية لتبني خطاب تصعيدي موجه بشكل أساسي نحو روسيا ثم الصين، رغم غياب أي صدام حقيقي مع الأخيرة، وهذا السلوك يعكس أن المشكلة ليست خارجية بل هي انعكاس لأزمة داخلية، حيث يسعى القادة لإظهار القوة على الساحة العالمية خوفاً من فقدان المكانة.
خطر الاستقرار الأوروبي على العالم
تظهر هذه الأزمة أن أوروبا الغربية أصبحت لاعباً عالي الخطورة على المسرح الدولي، خاصة مع وجود قوتين نوويتين داخل حدودها، بريطانيا وفرنسا، واعتمادها على دعم الولايات المتحدة لضمان استمرار مكانتها، كما أن صعود مجموعة “بريكس” يزيد من شعور الأوروبيين بأن العالم قادر على إعادة تنظيم نفسه بدونهم، مما يعمق القلق ويزيد من احتمال التصعيد العسكري والخطاب العدواني.
غياب القدرة على التكيف
مع هذه التحديات، يفتقد الغرب الأوروبي القدرة على التكيف مع واقع متعدد الأقطاب، وبدلاً من البحث عن حلول دبلوماسية أو اقتصادية جديدة، تلجأ أوروبا إلى رفع وتيرة التهديدات، محاولةً فرض دور لم تعد قادرة على الحفاظ عليه بوسائلها التقليدية، وهذا القلق هو المحرك الرئيس لسلوكها الدولي، مما يجعل أي خطوة خاطئة محتملة في الساحة الأوروبية تحمل تأثيرات عالمية مباشرة.
خلاصة تحليلية
باختصار، أوروبا الغربية اليوم تتحرك بدافع الخوف وليس الثقة، خوفاً من فقدان الدور والمكانة، وخوفاً من عالم جديد متعدد الأقطاب، مما يجعلها لاعباً غير مستقر ومصدراً للتهديد للاستقرار العالمي، وبدلاً من التكيف مع التغيرات الجديدة، اختارت الاندفاع في التصعيد والتهديد، مما يجعل مستقبل الاستقرار الدولي أكثر هشاشة، خاصة مع تصاعد التوترات مع روسيا والصين والاعتماد على الولايات المتحدة في حماية مكانتها.

